مع بداية عهد محمد على كانت منطقة ميدان التحرير عبارة عن خرائب، ولهذا شرع في إعادة تخطيط المنطقة بدأ العمل الفعلي في تطوير تلك المنطقة خلال عهد الخديوي اسماعيل الذي شهد عصره نهضة معمارية ضخمة تمثلت في إنشاء القاهرة الإسماعليية ذات الطابع الأوروبى وشملت تنظيم ميادين القاهرة ومنها ميدان الإسماعيليه أو التحرير والذي اكتسب اسمه من وجود سراي الإسماعيليه التي بناها الخديوي اسماعيل مكان مبنى مجمع المصالح الحكومية الحالي وتكلفت حينها 200 ألف جنيه.
كان ولع الخديوي اسماعيل بمدن أوروبا كبيراً ولهذا أراد أن يكون ميدان الإسماعيليه محاكياً في تصميمه لميادين فرنسا. وخلال تلك الفترة لم يكن بهذا الميدان سوى مجموعة من القصور والأبنية الفخمة منها قصر النيل الذي شيده محمد على لابنته زينب هانم ثم هدم في عهد الخديوي سعيد وبنيت مكانه ثكنات للجيش المصري كانت في وقت ما مقراً لنظارة الحربية ثم استخدمها الانجليز مقراً لقواتهم بعد احتلال مصر عام 1882 حتى عام 1947 وبدأ هدمها في عام 1951 وأقيم مكانها المقر الحالي لجامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون. ومن أطرف ما يقل عن تلك الثكنات أنها كانت ترتبط بخط حديدى مع محطة القطارات الرئيسية.
من القصور الأخرى بالميدان قصر قوت القلوب الدمرداشيه الذي هدم لتوسيع ميدان كوبرى قصر النيل وقصر الأمير كمال الدين نجل السلطان حسين كامل وهو المقر القديم لوزارة الخارجية أمام مبنى جامعة الجول العربية.
زادت أهمية الميدان مع إنشاء كوبرى قصر النيل الذي ربط القاهرة الإسماعيليه بالضفة الأخرى للنيل فكان الميدان شرياناُ هاماً للقاهرة. وزادت أهمية الميدان مع افتتاح المتحف المصري الكبير في في 15 نوفمبر عام 1902 بالمنطقة المواجهة لثكنات قصر النيل حيث نقلت إليه الأثار المصرية من متحف بولاق الذي اكتظ بتلك الأثار قبل هذا التاريخ ولم يكن ليسع هذا الكم الهائل من الاثار المكتشفة.
من المعالم الباقية حتى اليوم من الميدان قصر أحمد خيري باشا الذي صار قصر جناكليس. كان هذا القصر هو المقر الرئيسي للجامعة الأهلية عند انشائها عام 1908 ويحكى أن هذا القصر تم تأجيره لمدة عام واحد بملحقاته التي تشمل الاسطبل والعربخانه والسلاملك والحديقه بمبلغ 350 جنيه مصري فقط. وتم مد فترة الأيجار خلال الأعوام التالية ولكن عندما زادت قيمة الإيجار إلى 720 جنيه مع بدايات الحرب العالمية الثانية، تعذر على إدارة الجامعة الأهلية الدفع فتركت المكان في عام 1914.
أما مجمع التحرير الذي يعتقد الكثيرون أنه أنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تم البدء في بنائه عام 1951 في أواخر فترة حكم الملك فاروق وانتهى البناء في عام 1952 على مساحة 4500 متر مربع وكان حينها يسمى مجمع المصالح الحكومية وتغير الإسم إلى مجمع التحرير نسبة إلى الميدان. أما أبرز المعالم التي اختفت من الميدان فهي فيلا هدى شعراوي التي كانت تحتل ناصية شارع قصر النيل من اتجاه ميدان التحرير
إنشاء مجمع المصالح الحكومية ارتبط بخطة وضعت في اواخر عهد فاروق لتنظيم القاهرة وشملت الميدان. وبما أطرف ما قيل في هذا الشأن هو رغبة فاروق في إزالة مسجد وضريح الشيخ العبيط وموقعه مسجد عمر مكرم حالياً وإنشاء مسجد كبير يحمل اسم فاروق. ولم ينقذ الشيخ العبيط من يد فاروق سوى قيام ثورة يوليو التي ابقت على الضريح في مكانه وقامت بتوسعة المسجد وتغيير اسمه. وفي وسط الميدان أقام فاروق قاعدة ضخمة لتمثال لم يكتب له الوجود في هذا الميدان. فحينها أراد الملك فاروق تخليد ذكرى جده الخديوي اسماعيل منشئ القاهرة الاسماعيليه وسط الميدان ولكن لم يمهله القدر حيث قامت الثورة ووصل التمثال بعدها. ظلت القاعدة في موضعها لسنوات وطالب البعض بأن يوضع عليها تمثال ضخم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولكن لم يحدث ذلك. وأستمر وجود القاعدة دون تمثال حتلا عام 1980 حينما أزيلت بسبب أعمال الحفر في مشروع مترو الانفاق.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، لم يكن الميدان مجرد رمز لثورة المصريين ضد نظام مبارك فحسب، بل يحظى الميدان بتاريخ نضالي كبير يمتد ليشمل كافة ثورات المصريين بدءاً من ثورة عرابيى مروراً بثورة 1919 ومظاهرات الطلبة عام 1935 التي طالبت بعودة دستور عام 1923 حيث خرجت من جامعة القاهرة مروراً بكوبري الإنجليز وكوبري قصر النيل في الطريق إلى ضريح سعد زغلول. وتصدت الشرطة لتلك المظاهرات عند نهاية كوبري قصر النيل في مشهد يشبه ما شهده كوبرى قصر النيل في جمعة الغضب وأطلقت الشرطة النار على المتظاهرين لتفريقهم. ولكن استمرت تلك المظاهرات لاسبوعين وانتهت بإعادة العمل بدستور 1923. وحتى المليونيه التي شهدها الميدان خلال ثورة 25 يناير لم تكن المليونيه الأولى ففي 14 نوفمبر 1951 شاركت كافة فئات المجتمع المصري في مظاهرة ضخمة تطالب بإنهاء الوجود العسكرى البريطاني في مصر بعد إلغاء مصطفى النحاس باشا لمعاهدة 1936 وبلغ المشاركون في تلك المظاهرة التي توجهت إلى قصر عابدين أكثر من مليون شخص تجمعوا في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به. كما شهد الميدان بعدها مظاهرات ضخمة عقب تنحي جمال عبد الناصر حيث خرجت الجماهير تطالب بعودته ثم خرجت جموع الغاضبين إلى الميدان أثناء انتفاضة الخبر عام 1977 وتكرر الخروج إلى ميدان التحرير في التسعينيات احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق ثم في تجمعات محدودة من حركات عدة منها كفاية و6 أبريل خلال السنوات الماضية قبل أن يصبح الميدان بؤرة اهتمام العالم باسره منذ جمعة الغضب في 28 يناير الماضي وحتى اليوم.
شريف على















أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف