الجمعة، 12 أغسطس 2011

رمضان في بيوت رجال السياسة منذ 75 عاماً

لشهر رمضان مذاق خاص يفتقده كثير ممن عاصروه منذ عقود، وإن بقي لهذا الشهر الفضيل نفس البهجة التي اختلفت معالمها باختلاف الزمن. نعود معاً إلى مصر في أوائل القرن الماضي لنرى معاً كيف كان الناس يحتفلون بقدوم رمضان في وقت لم تكن الحياة فيه قد تطورت إلى ما وصلت إليه اليوم.

كان الاحتفال الفعلي برمضان في بدايات القرن الماضي تبدأ ببيوت الناس في المساء، نظراً لأنه كان من الصعب على الصائمين الحديث خلال ساعات النهار. ولكن في الليل كان الأمر ينقلب وتدب الحياة في منازل القاهرة. كانت السهرات في تلك الفترة تتم في مندرة المنزل وهي قاعة فسيحة يجتمع الناس فيها لسماع آيات الذكر الحكيم، حيث كان أصحاب المنازل يتفقون قبل مدة طويلة من شهر رمضان مع المقرئين على إحياء ليالي رمضان وكانت تلك الليالي الرمضانية البسيطة في المنادر تحظى بإقبال كبير حيث تغض المنادر بالضيوف لسماع آيات القرآن والذكر وتدور عليهم أكواب القرفه والمرطبات لتسليتهم.
حتى ثلاثينيات القرن الماضي، كان بعض المشاهير من رجال السياسة يحرصون على تلك التقاليد القديمة بتلاوة المقرئين للقرآن في ليالي رمضان ومنهم طلعت حرب باشا وغيره من رجال هذا العصر.
ربما الذي قضى على ظاهرة المقرئين في رمضان خلال تلك الفترة هو ظهور الرايو الذي التف الناس حوله بعد أن حل محل هؤلاء المشايخ. كما أختفت أيضاً ظاهرة السهرات الرمضانية في المنادر وانتقلت إلى المقاهي. وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو انتشار وسائل المواصلات الحديثة التي قربت المسافات بين أجزاء القاهرة، فصار الانتقال من مكان لأخر سهلاً بعد أن كان أمراً شاقاً في أواخر القرن التاسع عشر.

<

حافظ المشاهير في مصر على التقاليد القديمة لشهر رمضان كما ذكرنا ومنهم الأمير محمد على ولي عهد مصر أثناء كم فاروق حيث كان يتسعين بخمسة من أشهر المقرئين في تلك الفترة لإحياء ليالي رمضان في قصر المنيل وكتن يحضر بنفسه تلك الاحتفالات داخل منزله علاوة على توزيع الصدقات على الفقراء والأطفال في ليالي رمضان. أما مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد فكان يحتفل برمضان من خلال سهرات طويلة يجتمع فيها كثير من رجال حزبه وتدور خلالها مناقشات سياسية وأدبية بين الحاضرين في جو ودي بعيداً عن الرسميات. وكان للنحاس اسلوباً في ولائم الافطار حيث يدعو 30 فردأ يومياً على التوالي من أعضاء الحزب ثم الهيئة الوفدية ثم نقابة المحلمين ثم لجان حزب الوفد وشبابه، كما كان يحرص على وجود مقرئين يحيون ليالي رمضان في منزله طيلة أيام الشهر.
محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر السابق كان يحرص هو الأخر على وجود اثنين من المقرئين لإحياء ليالي رمضان بمنزله. وكان يفضل تناول الإفطار بمنزله بعيداً عن دعوات الأفطار التي تأتيه من رجال السياسة، كما كانت حديثة قصره تتحول طوال شهر رمضان إلى مائدة رحمن كبيرة للفقراء. أما في المساء، حيث يتوافد أصدقاء رئيس الوزراء الأسبق على منزله، تبدأ السهرة حتى ساعة متأخرة من الليل وتنقضي السهرة في الحديث عن السياسة والأدب والثقافة والفن.
من البيوت الأخرى التي عرفت بسهراتها الرمضانية الممتعة بيت آل عبد الرازق ومنهم الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهرفي النصف الأول من القرن الماضي. وكان منزل آل عبد الرازق في رمضان يشبه صحناً من صحون الأزهر حيث تطغى المناقشات الدينية على السهرات الرمضانية في منازلهم. المدعوون للافطار في بيت آل عبد الرازق كانوا من فئات مختلفة منها رجال السياسة والفكر واستاتذة الجامعات والصحفيين وغيرهم من فئات المجتمع. وكانوا في الوقت ذاته يدعون بعض الأجانب لحضور مؤائد الافطار في رمضان للتعرف على بعض جوانب الدين الإسلامي، وكانوا في الوقت ذاته يقةمون بتوزيع اللحم والخبز على الفقراء والمحتاجين.
من الموائد الرمضانية الشهيرة في تلك الفترة مائدتي قوت القلوب الدمرداشية وهدى شعراوي التي كانت توكل تنظيم تلك المائدة إلى السيده سيزا نبراوي.
شريف على

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق