الأربعاء، 17 أغسطس 2011

كوبرى قصر النيل .. الأقدم في القاهرة والأجمل في العالم


لم تشهد مصر تقدماً عمرانياً كذلك الذي شهدته خلال عهد الخديوي اسماعيل الذى حلم بأن يجعل من مصر على وجه العموم والقاهرة على وجه الخصوص قطعة من أوروبا. ودفعه ذلك إلى التوسع في انشاء الطرق والأحياء الجديدةز ولا تزال أثار عهده باقية إلى يومنا هذا متمثلة في وسط القاهرة التي كانت في الماضي تعرف بحي الإسماعيلية نسبةً للخديوي اسماعيل، وإليه أيضاً يرجع الفضل في إنشاء أول جسر يربط بين ضفتي القاهرة وهو كوبري قصر النيل. وواقع الأمر أن هذا الكوبري الذي كان الأول من نوعه في القاهرة لم يكن الوحيد الذي امر اسماعيل بإنشائه، حيث شهد عهده إقامة 426 كوبري منها 276 كوبري في الوجه البحري و150 في الوجه القبلي.
بدأت قصة إنشاء كوبري قصر النيل مع تفكير الخديوي اسماعيل في إنشاء جسر يربط بين ميدان الإسماعيلية (التحرير حالياً) والضفة الغربية من النيل بمنطقة الجزيرة اقتداءاً بمدن أوروبا التي تربط الجسور بين ضفافها. كانت تلك الفكرة مريحة وعمليةً مقارنة بطريقة انتقال الناس بين ضفتي النيل في تلك الفترة وهي المراكب الشراعية التي تصف بجوار بعضها البعض وتمتد عليها ألواح من الخشب كي يسير الناس عليها.
بدأ العمل بشكل جدي في إنشاء الكوبري عام 1869 حينما أصدر الخديوي اسماعيل الأمر العالي لتنفيذ البناء وتم إسناد المشروع لشركة فيف- ليل الفرنسية. وبلغت تكلفة المشروع حوالي مليوني و750 ألف فرنك أو ما يعادل 108 ألف جنيه مصري.
استغرق البناء حوالي ثلاث سنوات وبلغ طول الكوبري 406 متر وعرضه 10 أمتار ونصف شاملة الأرصفة الجانبية التي بلغ عرضها مترين ونصف. وكان الكوبري مكوناً من 8 أجزاء منها جزء متحرك من ناحية ميدان الإسماعيلية طوله 64 متر لعبور المراكب والسفن يتم فتحه يدوياً من خلال تروس علاوة على جزئين نهائيين بطول 46 متر و5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 متراً. تم تأسيس دعائم الكوبري من الدبش المحاط بطبقة من الحجر الجيري الصلب كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط. وصممت فتحات الكوبري كي يمكنها حمل 40 طناً والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان أو تحمل أوزان ضخمة موزعة على جسم الكوبري. وبلغ ارتفاع جسم الكوبري عن سطح النيل حوالي 10 امتار حساباً للفيضان.
وبعد الانتهاء من بناء الكوبري تم تشكيل لجنة من محمود باشا الفلكي رئيس ديوان الأشغال وبهجت باشا مفتش عموم قناطر وترع الوجه البحري وعلى باشا ابراهيم مهندس شوارع مصر لاختبار متانة جسم الكوبري وتم ذلك من خلال السماح بمرور طوبجية مدفعيه راكبه مكونه من 6 مدافع مع كامل ذخيرتها. تم المرور في البداية بالخطوة المعتادة ثم بالخطوة السريعة ثم مرور الطوبجية على قسمين وبالفعل تم التأكد من صلابة جسم الكوبري وصلاحيته للاستخدام.
شركة فيف – ليل التي قامت بإنشاء كوبري قصر النيل قامت بإهداء الخديوي ماكيت مصر للكوبري صنع من الذهب الخالص. أما التسمية فتعود إلى قصر أقيم على ضفة النيل لزينب هانم بنت محمد على باشا أزيل في عهد الخديوي سعيد وأقيم مكانه ثكنات للجيش المصري صارت فيما بعد ثكنات قصر النيل التي اتخذها الجيش الإنجليزي مقراً له. ويحتل موقعها اليوم فندق النيل هيلتون ومقر جامعة الدول العربية.
لم يكن العبور على الكوبري عند إنشائه مجانيا، ففور إتمام البناء، اصدر الخديوي مرسوماً يقضي بوضع حواجز على مدخلي الكوبري لدفع رسوم عبور نشرت تفاصيلها في جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 27 فبراير 1872 بعد مرور 17 يوما من افتتاح الكوبري. وكان الهدف من فرض تلك الرسوم هو أن تستخدم لتغطية تكاليف الصيانة وبلغت الرسوم قرشان للجمل المحمل وقرش واحد للجمل الفارغ والخيول والبغال المحملة قرش و15 باره وكذلك الأبقار والجاموس (كانت قيمة الباره تقدر بربع المليم) وعربات الركوب قرشين للعربه المحملة وقرش للفارغة وعربات الكارو 3 قروش للمحمله وقرش واحد للفارغة والأغنام والماعز 10 بارات للرأس الواحدة. لم تقتصر الرسوم على فحسب، بل تم تحصيلها أيضاً بواقع 10 فضه على النعام الصغير والكبير والغزلان والكلاب والخنازير والضباع والدببه. أما البشر فكانت رسوم العبور للرجال والنساء " فارغين وشايلين" 100 فضة، أما الإعفاء الوحيد فكان للأطفال دون سن ست سنوات من المارين مع أقاربهم. أما أسود كوبري قصر النيل الأربعة فلها قصة أخرى حيث كلف الخديوي اسماعيل شريف باشا ناظر الداخلية في أبريل 1871 بالاتصال بالخواجه جاكمار لعمل 4 تماثيل واقترح جاكمار بدوره أن تكون تلك التماثيل متوسطة الحجم وكلف لجنة من المثال أوجين جليوم والمصور جان ليون لتتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل. وخصص مبلغ 198 ألف فرنك للإنفاق على المشروع. تم تصنيع التماثيل من البرونز في فرنسا ونقلت إلى الإسكندرية ومنها إلى موضعها الحالي على مدخلي كوبري قصر النيل. وبعدها التصق إسم "أبو السباع" بالخديوي اسماعيل كنية لكل من يحمل هذا الاسم.
كان للكوبري فضل في تطوير منطقة الجزيرة حيث بدأ تعميرها على نطاق واسع كما سهل الكوبري التجارة بين الوجه القبلي والقاهرة وجعل الانتقال من الجيزة إلى القاهرة سهلاً كما حمى أرواح المصريين من مخاطر عديدة نتيجة الفيضان، فكثيراً ما كان المواطنون يلقون حتفهم غرقاً أثناء العبور على المراكب. وفي النصف الثاني من القرن الماضي، كان كوبري قصر النيل أحد أبرز معالم القاهرة ويعزز ذلك القول وجود عشرات اللوحات المرسومة والصور الفوتوغرافية التي أخذت للكوبري. كان كوبري قصر النيل بداية لمجموعة من الجسور أنشئت على النيل للربط بين القاهرة والجزيرة والجيزة، حيث أعقبه إنشاء الكوبري الأعمى أو كوبري الانجليز للربط بين الجزيرة والجيزة وكوبري أبو العلا والملك الصالح وعباس الثاني وبولاق والزمالك. الطريف أن تلك الكباري أنشئت لتخفيف الضغط عن كوبري قصر النيل ولكنها لم تفلح في ذلك خاصة وأن الكوبري أنشئ قبل أن تعرف مصر السيارات وحتى عشرينيات القرن الماضي لم يكن مسموحاً بعبور السيارات عليه. وفي أواخر العشرينيات بدأ التفكير جدياً في توسيع أو تغيير الكوبري وعهدت وزارة المواصلات إلى قسم الكباري بمصلحة السكك الحديدة لدراسة الأمر وقامت المصلحة بالاستعانة بخبير بلجيكي وعدد من كبار مهندسي الكباري في مصر. وانقسمت الآراء حيال الكوبري القديم، حيث رأى البعض توسيع الكوبري وتدعيم أساساته بينما رأي فريق أخر إزالة الكوبري بالكامل وإنشاء كوبري جديد وذهب رأي ثالث إلى الإبقاء على الكوبري كما هو ويناء كوبري جديد بالقرب منه سواء في جهة الجنوب أو الشمال. ورأى فريق رابع أن تتم إزالة الكوبري وبناء كوبري جديد في جهة أخرى. وخلال تلك الفترة كان الرأي الأقرب إلى التنفيذ هو رفع الكوبري وإنشاء كوبري جديد مكانه خاصةً وأن مكانه هو الأقرب إلى قلب المدينة لا سيما أن القاهرة كانت تستعد في تلك الفترة لنقل المصالح والدواوين الحكومية إلى سراي الإسماعيلية في ميدان التحرير الحالي. فماذا حدث في تلك الفترة كي تواجه الحكومة المصرية ضيق كوبرى قصر النيل وعدم قدرته على استيعاب حركة السيارات عليه.
مع ظهور السيارات لم يعد كوبرى قصر النيل ببنائه القديم قادراً على استعاب حركة السيارات التي بدأت في الظهور خلال تلك الفترة وزادت أعدادها. ولهذا بدأت دراسة توسيع الكوبري أو إنشاء كوبرى بديل يمكنه مواكبة تطور المجتمع.
بعد 60 عاما من انشاء الكوبرى الأصلي اتخد القائمون على المشروع قراراً بإنشاء كوبري جدد بدلاً من القديم. وبالفعل بدأت مصلحة الطرق والكباري في عهد الملك فؤاد الأول في وضع مشروع لبناء الكوبري من جديد بعد فك وحل الكوبري القديم. وتكشف بعض الوثائق النادرة عن طريقة هدم وبناء الكوبري الأمر الذي يشير إلى تخطيط على درجة عالية من الرقي، حيث استخدمت المصلحة طريقة تقضي بفك كل قطعة من جسم الكوبري ووضع رقم عليها ، لتصبح كافة أجزاء الكوبري مرقمة مما يسهل الاستعانة بها فيما بعد كما اشترطت المصلحة على مقاول البناء عدم استعمال النار مطلقا في تقطيع أجزاء الكوبري الحديدية.
طرحت المصلحة كراسة مواصفات اشترطت على مقاول البناء أن يكون الكوبري جميل الشكل سواء نظر اليه الناس من ناحية النهر أو من أعلى الكوبري مع اشتراط ان يحتفظ المقاول بالأسود الموجودة عند مداخل الكوبري كما هي دون تغيير، وأن يستعمل فيه مصابيح كهربائية للإنارة. واشترطت مواصفات دهان الكوبري أن تدهن جميع الأجزاء المعدنية بأربع طبقات: الأولى من السلاقون، وتدهن بالمصنع، والثانية تدهن في موقع العمل قبل التركيب والثالثة والرابعة من بوية تقرها المصلحة والمعمل الكيماوي على أن تكون الطبقتان من لونين مختلفين ليتمكن المهندس المشرف على صيانة الكوبري مستقبلا من معرفة حالة الدهان ودرجة تأثره بالظروف الجوية والزمن. وعند طرح كراسة الشروط تنافس على إعادة بناء كوبري قصر النيل ١٣ بيتا هندسيا أوروبيا عالميا منها :خمس شركات إنجليزية وثلاث شركات إيطالية و شركتان المانيتان وشركة فرنسية ،وشركة نمساوية ،وشركة بلجيكية ،فاستقر مشروع اعادة البناء على شركة دورمان لونج وشركاه المحدودة وهي شركة انجليزية شهيرة قامت ببناء جسر سيدني في نفس الفترة تقريباً. بدأت الشركة عملية البناء بعد أن صدر لها التكليف من مصلحة الطرق والكباري في يناير من عام ١٩٣١ .
بلغت تكلفة المشروع حوالي 308 ألف مصري وكان مبلغاً كبيراً بأسعار تلك الفترة. ولأهمية المشروع، قامت الشركة بفتح مكتب مؤقت لها في عمارة الخديوي بشارع عماد الدين. وقام بنك باركليز بإصدارخطابات ضمان للشركة ليبدأ العمل الفعلي في المشروع حيث قامت الشركة بتعيين فنيين مصريين وأجانب من عمال ومهندسين لإتمام المهمة. بالنسبة للأسود الأربعة، تم نقلهم للتخزين في حديقة الحيوان بالجيزة لحين الانتهاء من بناء الكوبري الجديد. وبدأ العمل في هدم الكوبري وإنشاء البديل بعد أن وضع المصمم االشهير السير رالف فريمان مصمم جسر ميناء سيدني باستراليا تصميم الكوبري الجديد.
بدأ العمل بشكل فعلي في أبريل 1931 بإنشاء قيسون تتم عليه إقامة دعائم الكوبري وأنشئ بعده قيسونين آخرين يتكون كل منهم من إطار مصنوع من الصلب توضع فيه الخرسانة المسلحة وفي الأسفل توجد غرفة يباشر فيها العمال البناء تحت الأرض. وفي نهاية الجزء العلوي من القسون كان يوجد ما يعرف هندسياً بإسم "كباية الهواء" وتتصل بها ماسورة تنتهي إلى غرفة العمال وبواسطة تلك الماسورة كان العمال ينزلون إلى غرفة العمل ومنها تهبط وترتفع المواد المطلوبة أو المراد التخلص منها.
كان ضغط الهواء داخل الماسورة وغرفة العمل يتم من خلال آلات خاصة لهذا الغرض وكان الهدف من تلك العملية ضغط الماء المتسرب من قاع النهر إلى غرفة العمل. ثم يدخل العمال إلى كباية الهواء وتتم زيادة ضغط الهواء فيها إلى أن يعادل ضغط الهواء في القيسون فيهبط العمال إلى الغرفة التي تكون خالية من الماء تقريباً بفضل ضغط الهواء المستمر. ويباشر العمال عملهم بوضع المخلفات في أواني خاصة توضع في كباية الهواء حيث ترفع ليتم تفريغها قبل أن تعاد خاوية مرة أخرى إلى القاع. وكلما أتسع نطاق الحفر كانت القيسونات تهبط إلى أن وصلت إلى العمق المطلوب وهو 23 متراً تحت سطح ماء النهر. وكان كلما يهبط القيسون تتم زيادة ضغط الهواء تدريجياً كي يتمكن من مقاومة الماء إلى أن يبلغ ضغطه 2،3 كيلو لكل سنتيمتر. وعند وصول القيسون إلى العمق المطلوب كان العمال يقومون بملء الغرفة بالخراسان ثم يتم رفع الماسورة وكباية الهواء وبالتالي تتكون كتلة صلبة من الخرسانة تكون أساساً لإحدى الدعامات الجرانيتية التي يقوم عليها بناء الكوبري. وكانت الدعامة الجرانيتية تبنى داخل امتداد للقيسون مصنوع من الصاج يعلو سطح الماء فيحجزه حتى إذا ما انتهى العمال من البناء تزال ألواح الصاج فلا تظهر الدعامة إلا عند انخفاض منسوب النيل.
في واقع الأمر كان العمل في إنشاء الكوبري شاقاً للغاية، فتلك الطريقة تكررة عدة مرات لإنشاء دعائم الكوبري أضف إلى ذلك المصاعب التي كانت تعترض البناء في موسم الفيضان.
تم الانتهاء من البناء في يوم الثلاثاء الموافق السادس من يونيه عام 1933، وأطلق على الكوبري الجديد اسم "كوبري الخديوي اسماعيل" تخليداً لذكرى والد الملك فؤاد الأول وقام الأخير بافتتاح الكوبري بنفسه بعد أن تابع عملية البناء شخصياً. وكان واضحاً في الكوبير الجديد الناحية الفنية والجمالية التي بدت ملائمة لأهمية موقعه فأصبحت عند كل من مدخليه منارتان من حجر الجرانيت على رأس كل منها مصباح، وأمامها واحد من الأسود الأربعة التي كانت قائمة على مدخلي الكوبري القديم احتفظ بها لتكون أثرا يدل على صاحب المشروع الخديو اسماعيل، وعند نهاية الكوبري شرفتان جميلتان تطلان على شاطئ النيل.
تضاعف عرضه الكوبري إلى عشرين متراً كما أنشى نفقان الأول تحت ميدان التحرير و الآخر أسفل الكوبري مباشرة لتسهيل حركة المرور.
منذ ذلك التاريخ صار الكوبري أحد أهم شرايين القاهرة التي تربط بين القاهرة والجزيرة. وخلال السنوات التالية شهد الكوبري الكثير من الأحداث التي لا تنسى منها حادث تعرض له الملك فاروق بسيارته مع لوري تابع للجيش البرطاني تعامل سائقه بوقاحة مع ملك مصر. كما شهد الكوبري حادث السيارة الشهير الذي تعرض له احمد حسانين رئيس الديوان الملكي في عهد فاروق الأول. وكانت هناك الكثير من الإشارات بأن هذا الحادث مدبراً من الملك فاروق للتخلص من حسانين بسبب علاقته باللملكة نازلي والدة فاروق.
بعد ثورة يوليو 1952، تغير اسم الكوبري إلى "كوبري قصر النيل" وبعدها شهد الكوبري أحد أهم الأحداث التي شهدتها، فلا يزال كثيرين يتذكرون جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970 عندما بثها التلفزيون المصري وهي تعبر كوبري قصر النيل طوال 15 دقيقة.
خلال العقود التالية صار الكوبري أحد أشهر معالم القاهرة بل وصل الأمر بكثير من المصريين والأجانب إلى التقاط الصور التذكارية بجانب أو أعلى اسود الكوبري التي فاقت شهرتها الكوبري نفسه، وصار الكوبري أحد متنزهات القاهرة خاصة في ليايى الصيف، كما صار متنزهاً مجانياً للعشاق.
عادت الأضواء لتسلط عالمياً على الكوبرى بعدما بثت قنوات العالم المصادمات بين الثوار وقوات الأمن المركزي يوم جمعة الغضب، ليبقى الكوبري حتى اليوم الأشهر في مصر وربما الأفضل، حيث صمد لأكثر من 68 عاماً. ورغم تغير ما حوله من معالم حيث هدمت ثكنات قصر النيل وارتفع بناء جامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون محلها وزال فندق سميراميس القديم وارتفع بديل عصري له، لا يزال الكوبري شاهداً على ماضي القاهرة الجميل.
شريف علي



















الاثنين، 15 أغسطس 2011

مينا هاوس .. من أستراحة الخديوي إلى ملتقى المشاهير والعظماء

أسباب عديدة تجعل من فندق مينا هاوس أحد أشهر الفنادق التاريخية المصرية إن لم يكن أبرزها على الإطلاق. أول تلك الأسباب هو قربه الشديد من أهرامات الجيزة ولكن السبب الأهم هو رائحة التاريخ التي تفوح من هذا المكان الذي شهد أحداثاً تاريخية قليلاً ما تتوافر لفندق قديم.
بداية هذا الفندق الذي يرى البعض أن شهرته لا تقل بأي حال من الأحوال عن شهرة الأهرامات وأبو الهول تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحديداً لعام 1869 وهو تاريخ إنشاء الفندق أما صاحبة الفضل في إنشائه، فهي الإمبراطوره اوجيني إمبراطورة فرنسا التي عشقها الخديوي إسماعيل. في تلك الفترة كانت مصر تستعد لافتتاح قناة السويس وصاحب ذلك إنشاء دار الأوبرا المصرية وشق الشوارع وتجميل العاصمة استعداداً لاستقبال ضيوف حفل الافتتاح من ملوك وأمراء أوروبا وعلى رأسهم أوجيني. ضمن برنامج الزيارة كان من المقرر أن تزور الإمبراطورة الجميلة الأهرامات وأبو الهول. ولأن الرحلة إلى تلك المنطقة في هذا الزمن كانت تستغرق وقتاً طويلاً في الذهاب والإياب، فكر الخديوي اسماعيل في أن تقضي أوديني ليلة الزيارة في استراحته المتاخمة لمنطقة الأهرامات. كان الخديوي قد أنشأ تلك الاستراحة له ولعائلته لاستخدامها خلال رحلات الصيد وخصص حولها مشاحات شاسعة من الاراضي حولها إلى حدائق بدت كواحة خضراء وسط الصحراء القاحلة. وأضاف إليها بعض الغرف وأدخل تعديلات على بعض غرفها لتلائم استقبال أجمل جميلات عصرها. ومنذ ذلك الحين خصص الخديوي تلك الاستراحة لاستضافة ضيوف مصر وحتى ذلك لجين لم يكن قد أطلق على تلك الدار إسم مينا هاوس.
يرجع الفضل في هذا الإسم إلى ثري أنجليزي يدعى السير فريدريك هيد الذي بهر بالاستراحة وموقعها عند زيارة مصر بصحبة زوجته. اشترى السير فريدريك تلك الاستراحة ورأت أنه يمكن لدار متسعة كتلك استضافة السياح للمبيت نظراً لأهمية موقع الدار المجاورة للأهرامات وبالفعل تم تحويل الدار إلى فندق أطلق عليه مينا هاوس. ظل السير فريدريك يبحث عن إسم للاستراحة حتى اقترح عليه أحد الأصدقاء ان يسميه بإسم مينا موحد القطرين في مصر القديمة وأعجب فريدريك بالفكرة فأطلق على الاستراحة إسم "مينا هاوس". أضاف السير البريطاني طابقاً
ثانياً للمنزل واهتم بحديثته وأضاف إليها المزيد من الأشجار والنباتات النادرة.
ورغم سحر تلك الإستراحة، قام السير فريدريك ببيعها بعد أن تضاعف سعرها واشترت اسرة إنجليزية الاستراحة وقررت تحويلها إلى فندق مستفيدة من صيته الذائع. قامت تلك الأسرة بإدخال بع التجديدات على الفندق وترميم المقتنيات الأثرية فيه وأضافت إليه بعض اللمسات العصرية التي تعبر عن الفن المعماري الإنجليزي.
تم افتتاح الفندق لاستقبال النزلاء في عام 1887 وأضيف إليه حماماً للسباحة في عام 1890 وملعباً صحراوياً للجولف في عام 1899 تحول إلى حقول خضراء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
الشهرة الهائلة للفندق زادت خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي الحرب العالمية الأولى كان الفندق مقراً لإقامة الجنود الأستراليين بينما صار الفندق في فترة الحرب العالمية الثانية مقراً لاجتماعات خطيرة لقيادة قوات الحلفاء كاجتماع رئيس الوزراء البريطاني نستون تشرشل مع الرئيس الأمريكي روزفلت والزعيم الصيني شانج شاي شيك لمناقشة عالم ما بعد الحرب فيما عرف بإسم "مؤتمر القاهرة" وإقام بة القائد البريطاني مونتجمري فيه ولا يزال أحد أجنحة الفندق يحمل إسمه. والواقع أنه خلال الحرب العالمية الثانية قامت قوات الحلفاء باستئجار الفندق بالكامل وأقام فيه قادة جيوش الحلفاء بل أن بعض هؤلاء القادة كانوا يديرون العمليات الحربية من غرفهم بالفندق. ويقال أن موسوليني طلب رسمياً من القوات الألمانية أن يكون الفندق هو مقر القيادة الإيطالية عند دخول قوات المحور إلى مصر كما كان يتمنى.
في هذا الفندق نزل الكثير من الملوك والعظماء، فيقال أن الملك فاروق كان دائم التردد عليه في ساعات متأخرة من الليل وأغاخان زعيم الطائفة الإسماعيلية الذي كان يفضل الإقامة فيه مع زوجته عند زيارته لمصر. زار الفندق الملك زوغو ملك ألبانيا الذي أضطرت إدارة الفتدق لشراء خزانة ضخمة تكفي للمجموهرات التي اصطحبها هذا الملك معه. ولهذا الملك قصة أخرى مع الفندق في عام 1946 حينما حضر بصحبة زوجته وابنه المريض الذي أنقذ حياته طبيب مصري هو عمر شوقي باشا. ونزل فيه أيضاً هيلاسلاسي إمبراطور الحبشة وبول ملك اليونان والعاهل السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز وإيمانويل ملك إيطاليا وجوستف ملك السويد وأنجريد ملك الدنمارك. ولا ننسى أن هذا الفندق العريق استضاف محادثات السلام الأولى بعد حرب أكتوبر 1973 ولو حضر العرب يومها، لتغير وجه المنطقة بأسرها.
أما عن نجوم السينما فحدث ولا حرج، حيث نزل فيه عشرات من نجوم السينما العالمية أبرزهم شارلي شبالن وروبرت تايلور وانجريد بريجمان وسيسيل دي ميل وكاتري هيبورن ودورين ويلز وريتا هيوارت وتشارلتون هيستون ودورين ويلز وغيرهم كثيرين.
شريف على











فندق شبرد .. ملتقى الملوك والعظماء


فندق شبرد العريق عرفه العالم تماماُ كمعرفتهم بالأهرامات وأبو الهول. فالأمر الذي لا شك فيه هو أن فندق شبرد كان ولا يزال أهم الفنادق في تاريخ مصر. منذ ستين عاماً تقريباً كتب أحدهم أن أهمية فندق شبرد لا ترجع إلى ضخامته ففي الدنيا مئات من الفنادق الأضخم والأفخم، ولكنه فندق تاريخي.. فمن شرفته أطلت أوروبا على مصر لأول مرة وفي جنبات الفندق القديم، كانت السياسة الشغل الشاغل لكثير من الزعماء والقواد الذين أمشوا فيه بعد الوقت على مدار مائة عام. بداية الفندق القديم الذي كان موقعه في شارع ابراهيم (الجمهورية حالياً) بالقرب من حديقة الأزبكية وميدان الأوبرا تعود إلى عام 1841 حينما جاء صامويل شبرد إلى مصر للبحث عن قطعة أرض تصلح لإنشاء فندق واختار موقع قصر قديم متهالك استخدمته الحملة الفرنسية خلال وجودها في مصر وكان هذا القصر مقراً الذي تولى قيادة الحملة الفرنسية بعد عودة نابليون بونابرت إلى فرنسا. كان هذا القصر مقراً لقيادة الحملة وفي ساحته لقي كليبر مصرعه على يد سليمان الحلبي. وقبل أن يصبح هذا المبنى فندقاً، كان قصراً للأميرة زينب ابنة محمد على وكان حينها يطل على بركة الأزبكية، ثم جعله محمد على مقراً لمدرسة الألسن ومنه نقلت المدرسة إلى مكان أخر، واستأجره بعدها صمويل شبرد بشراكة مع بريطاني يدعى هيل وأسمياه الفندق البريطاني الجديد. وفي فنائه حفر حماماً للسباحة. وبمرور الوقت اتسع الفندق وزادت مبانيه وتم تجديد محتوياته. كان الهدف من الفندق في البداية هو توفير إقامة مريحة للأعداد المتزايدة من السياح إلى مصر ومسافري الترانزيت من أوروبا إلى الشرق الأقصى والهند. ونظراُ للخدمة المتميزة التي تمتع بها نزلاء هذا الفندق، أكتشب صمويل شبرد وفندقه سمعة عالمية، حتى أن هذا الفندق كان حديث الصحافة العالمية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فمجلة أخبار لندن المصورة الشهيرة كتبت عنه في عام 1857 قائلة: "ربما لا يمكن لك بأي فندق في العالم أن ترى هذا الخليط من البشر ذوى المكانة المرموقة من مختلف دول العالم كما يرى المرء بشكل يومي لو جلس على منضدة في الصالون الرئيسي بفندق شبرد.
في عام 1869 نزل بالفندق عدد كبير من الشخصيات العالمية التي جاءت لمصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس بدعوة من الخديوي إسماعيل. وكان على رأس الزوار الملكة الفرنسية «أوجيني» التي استقبلها الخديوي إسماعيل في فندق «شبرد» وأقام مأدبة ضخمة على شرفها، وبعدها صار الفندق المكان المفضل لإقامة الزعماء والملوك والرؤساء والشخصيات البارزة في العالم. ولا يتسع المجال لذكر أسماء من نزلوا بهذا الفندق الذي يشمل كتابه الذهبي آلافاً من مشاهير العالم منهم ملك بريطانيا أدوارد السابع ورئيس وزرائها الأسبق ونستون تشرشل، ورئيسا الولايات المتحدة السابقين تيودور روزفلت وهوفر وفيصل ملك العراق وملوك بلغاريا وإيطاليا وأعضاء وفود الدول العربية الذين جاءوا إلى مصر لحضور مراسم افتاح جامعة الدول العربية في اربعينيات القرن الماضي وكثيرين غيرهم.
من المعلومات التي لا يعرفها كثيرين عن هذا الفندق الذي صار أثراً بعد عين أنه احترق مرتين، الأولى في عام 1868 حينما أتت النيران على الفندق بالكامل وأعيد بناؤه مرة أخرى والمرة الثانية أثناء حريق القاهرة وهو الحريق الذي أدى لتدميره وبعدها انتقل إلى مكانه الحالي بالقرب من كوبري قصر النيل.
تمتع سجل النزلاء في شبرد القديم بشهرة غير عادية، ففي هذا السجل الذي يبدأ من عام 1851، كان على النزيل أن يسجل إسمه وإسم السفينة التي ابحرت به من الميناء الأجنبي إلى ميناء مصر ويرسم أمام الإسم علم السفينة الذي يميز الدولة التابعة لها.
لم يقتصر نزلاء الفندق على الشخصيات العالمية فحسب، بل كان أيضاً ملتقى للطبقات الراقية من سياسيين ومفكرين وأبرزهم في القرن الماضي سعد زغلول ومصطفى النحاس إضافة إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وكبار رجال الاقتصاد، فقد كانت شرفة هذا الفندق الفسيحة هي المكان المفضل للعظماء لتناول فنجان الشاي. ولم يتوقف الأمر على ذلك، حيث كان الفندق مقراً لقيادة قوات الحلفاء خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
عاد الفندق بعد حريق القاهرة إلى الوجود مرة أخرى ولكن في مكان مختلف وبشكل جديد. ففي عام 1957، تم افتتاح المبنى الجديد للفندق في الحي الذي يعد اليوم حي السفارات بالقرب من السفارات الأمريكية والبريطانية والإيطالي وتم تجديده في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وهو اليوم يتكون من 302 غرفة علاوة على العديد من القاعات المختلفة. أما الموقع القديم للفندق بتاريخه الحافل، فصار اليوم موقعاً لمحطة وقود تقابل بقايا حديقة الأزبكية.
شريف على











ميدان التحرير .. موجز لتاريخ مصر المعاصر

لم يحظ ميدان في العالم بتلك الشهرة الأسطورية التي صار ميدان التحرير يتمتع بها في يومنا هذا بعد أن ظل محط أنظار العالم عى مدار الساعة أثناء أحداث الثورة المصرية وصولاً إلى تنحي مبارك. لم يكن الأمر جديداً على ميدان التحرير أو ميدان الإسماعيليه وهو اسم الميدن منذ إنشائه وحتى عام 1954، فهذا الميدان كان الأشهر في مصر والشرق دون منازع، وربما لم يتنافسه في تلك الشهرة داخل مصر سوى ميدان رمسيس أبو باب الحديد.
مع بداية عهد محمد على كانت منطقة ميدان التحرير عبارة عن خرائب، ولهذا شرع في إعادة تخطيط المنطقة بدأ العمل الفعلي في تطوير تلك المنطقة خلال عهد الخديوي اسماعيل الذي شهد عصره نهضة معمارية ضخمة تمثلت في إنشاء القاهرة الإسماعليية ذات الطابع الأوروبى وشملت تنظيم ميادين القاهرة ومنها ميدان الإسماعيليه أو التحرير والذي اكتسب اسمه من وجود سراي الإسماعيليه التي بناها الخديوي اسماعيل مكان مبنى مجمع المصالح الحكومية الحالي وتكلفت حينها 200 ألف جنيه.
كان ولع الخديوي اسماعيل بمدن أوروبا كبيراً ولهذا أراد أن يكون ميدان الإسماعيليه محاكياً في تصميمه لميادين فرنسا. وخلال تلك الفترة لم يكن بهذا الميدان سوى مجموعة من القصور والأبنية الفخمة منها قصر النيل الذي شيده محمد على لابنته زينب هانم ثم هدم في عهد الخديوي سعيد وبنيت مكانه ثكنات للجيش المصري كانت في وقت ما مقراً لنظارة الحربية ثم استخدمها الانجليز مقراً لقواتهم بعد احتلال مصر عام 1882 حتى عام 1947 وبدأ هدمها في عام 1951 وأقيم مكانها المقر الحالي لجامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون. ومن أطرف ما يقل عن تلك الثكنات أنها كانت ترتبط بخط حديدى مع محطة القطارات الرئيسية.
من القصور الأخرى بالميدان قصر قوت القلوب الدمرداشيه الذي هدم لتوسيع ميدان كوبرى قصر النيل وقصر الأمير كمال الدين نجل السلطان حسين كامل وهو المقر القديم لوزارة الخارجية أمام مبنى جامعة الجول العربية.
زادت أهمية الميدان مع إنشاء كوبرى قصر النيل الذي ربط القاهرة الإسماعيليه بالضفة الأخرى للنيل فكان الميدان شرياناُ هاماً للقاهرة. وزادت أهمية الميدان مع افتتاح المتحف المصري الكبير في في 15 نوفمبر عام 1902 بالمنطقة المواجهة لثكنات قصر النيل حيث نقلت إليه الأثار المصرية من متحف بولاق الذي اكتظ بتلك الأثار قبل هذا التاريخ ولم يكن ليسع هذا الكم الهائل من الاثار المكتشفة.
من المعالم الباقية حتى اليوم من الميدان قصر أحمد خيري باشا الذي صار قصر جناكليس. كان هذا القصر هو المقر الرئيسي للجامعة الأهلية عند انشائها عام 1908 ويحكى أن هذا القصر تم تأجيره لمدة عام واحد بملحقاته التي تشمل الاسطبل والعربخانه والسلاملك والحديقه بمبلغ 350 جنيه مصري فقط. وتم مد فترة الأيجار خلال الأعوام التالية ولكن عندما زادت قيمة الإيجار إلى 720 جنيه مع بدايات الحرب العالمية الثانية، تعذر على إدارة الجامعة الأهلية الدفع فتركت المكان في عام 1914.
أما مجمع التحرير الذي يعتقد الكثيرون أنه أنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تم البدء في بنائه عام 1951 في أواخر فترة حكم الملك فاروق وانتهى البناء في عام 1952 على مساحة 4500 متر مربع وكان حينها يسمى مجمع المصالح الحكومية وتغير الإسم إلى مجمع التحرير نسبة إلى الميدان. أما أبرز المعالم التي اختفت من الميدان فهي فيلا هدى شعراوي التي كانت تحتل ناصية شارع قصر النيل من اتجاه ميدان التحرير
إنشاء مجمع المصالح الحكومية ارتبط بخطة وضعت في اواخر عهد فاروق لتنظيم القاهرة وشملت الميدان. وبما أطرف ما قيل في هذا الشأن هو رغبة فاروق في إزالة مسجد وضريح الشيخ العبيط وموقعه مسجد عمر مكرم حالياً وإنشاء مسجد كبير يحمل اسم فاروق. ولم ينقذ الشيخ العبيط من يد فاروق سوى قيام ثورة يوليو التي ابقت على الضريح في مكانه وقامت بتوسعة المسجد وتغيير اسمه. وفي وسط الميدان أقام فاروق قاعدة ضخمة لتمثال لم يكتب له الوجود في هذا الميدان. فحينها أراد الملك فاروق تخليد ذكرى جده الخديوي اسماعيل منشئ القاهرة الاسماعيليه وسط الميدان ولكن لم يمهله القدر حيث قامت الثورة ووصل التمثال بعدها. ظلت القاعدة في موضعها لسنوات وطالب البعض بأن يوضع عليها تمثال ضخم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولكن لم يحدث ذلك. وأستمر وجود القاعدة دون تمثال حتلا عام 1980 حينما أزيلت بسبب أعمال الحفر في مشروع مترو الانفاق.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، لم يكن الميدان مجرد رمز لثورة المصريين ضد نظام مبارك فحسب، بل يحظى الميدان بتاريخ نضالي كبير يمتد ليشمل كافة ثورات المصريين بدءاً من ثورة عرابيى مروراً بثورة 1919 ومظاهرات الطلبة عام 1935 التي طالبت بعودة دستور عام 1923 حيث خرجت من جامعة القاهرة مروراً بكوبري الإنجليز وكوبري قصر النيل في الطريق إلى ضريح سعد زغلول. وتصدت الشرطة لتلك المظاهرات عند نهاية كوبري قصر النيل في مشهد يشبه ما شهده كوبرى قصر النيل في جمعة الغضب وأطلقت الشرطة النار على المتظاهرين لتفريقهم. ولكن استمرت تلك المظاهرات لاسبوعين وانتهت بإعادة العمل بدستور 1923. وحتى المليونيه التي شهدها الميدان خلال ثورة 25 يناير لم تكن المليونيه الأولى ففي 14 نوفمبر 1951 شاركت كافة فئات المجتمع المصري في مظاهرة ضخمة تطالب بإنهاء الوجود العسكرى البريطاني في مصر بعد إلغاء مصطفى النحاس باشا لمعاهدة 1936 وبلغ المشاركون في تلك المظاهرة التي توجهت إلى قصر عابدين أكثر من مليون شخص تجمعوا في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به. كما شهد الميدان بعدها مظاهرات ضخمة عقب تنحي جمال عبد الناصر حيث خرجت الجماهير تطالب بعودته ثم خرجت جموع الغاضبين إلى الميدان أثناء انتفاضة الخبر عام 1977 وتكرر الخروج إلى ميدان التحرير في التسعينيات احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق ثم في تجمعات محدودة من حركات عدة منها كفاية و6 أبريل خلال السنوات الماضية قبل أن يصبح الميدان بؤرة اهتمام العالم باسره منذ جمعة الغضب في 28 يناير الماضي وحتى اليوم.
شريف على